الاثنين، 13 فبراير 2012

"فأينما تولوا فثم وجه الله"


كلام لا ثوصف بكلمه ..للدكتور مصطفى محمود <3

لا يوجد وهم يبدو كأنه حقيقة مثل الحب..

و لا حقيقة نتعامل معها و كأنها الوهم مثل الموت!! فليس هناك أمر مؤكد أكثر من الموت، و مع ذلك لا نفكر أبدا بأننا سنموت، و اذا حدث و فكرنا لا يتجاوز تفكيرنا وهما عابرا عبور النسيم.

و العكس في حالة الحب، فرغم أن الحب دائما أمر يزينه الخيال و يضخمه الوهم و يجسمه التصور و تنفخ فيه الشهوات، و رغم أن الحب يشتعل و ينطفئ و يسخن و يبرد و رغم أن أحواله و تقلباته تشهد بأنه وهم كبير، الا أننا نتعامل معه بالرهبة و التقديس و الاحترام و الخضوع.. و نظل على هذا الخلط و الاختلاط حتى نفيق على الصدمة فنصحو و نستعيد رشدنا لأيام أو شهور أو سنوات و لكن لا نلبث أن نستسلم الى اغماء جديد.

و سبب الخلط و الاختلاط هو دائما خطأ في النسبة.. فنحن دائما ننسب الجمال الذي شاهدناه و الحنان الذي تذوقناه الى صاحبته مع أنها ليست صاحبته و لا مالكته.. و لو امتلكت امرأة جمالها لدام لها.. و لكن الجمال لم يدم لأحد، لأنه منحة و اعارة من الله بأجل و ميقات و هو قرض يسترده في حينه.. فصاحبه و مالكه هو الله و ليس أي امرأة.

و كذلك كل ما نعشق من حنان و مودة و رأفة و حلم و كرم كلها خلع و منح و أوصاف مستعارة من الودود الرؤوف الحليم الكريم.. و هو مالكها بالأصالة.. و نحن نملكها عنه بالقرض و الاعارة.

و لكن العين التي تعشق الجمال تخطئ نسبته و ملكيته فتظنه لصاحبته فتعشق صاحبته و تعبد صاحبته.

و هي تظل في هذا الوهم حتى تفيق على القبح يطل من تحت المساحيق و القسوة تظهر من وراء الأهداب فتصحو على الصدمة و تعاني و تتعذب و تندم و تعتبر و تتوب ثم تعود فتنسى و تنزلق إلى وهم جديد..


و تلك هي الغفلة المستمرة التي نعيش فيها جميعا.. نفيق منها لحظات لنعود فنغرق في سباتها من جديد و لا يسلم من هذا البلاء الا نبي معصوم أو ولي عارف يحفظه ربه و يسدل عليه كنفه.. فلا يرى حيثما تولى الا وجه الله.

(فأينما تولوا فثم وجه الله)

فهو الجمال في كل جميل و هو الرأفة و الحنان و الكرم و الحلم و المودة.. فتلك أسماؤه تتجلى في أواني الطين و الخزف الشفافة التي شفها الاحساس حتى أصبحت مثل الكريستال المضيء تماما كما يرى الفلكي نور القمر فيعرف أنه ليس نوره بل نور الشمس تجلى عن وجهه.

و هكذا لا يرى هذا العارف أينما تولى الا وجه الله.. و هو دائم الهمس الله.. الله.. الله.. الله.. الله.. و هو ناظر دائما الى الظاهر و ليس الى المظاهر.. ناظر الى الله الظاهر دائما في كل شيء.. لا يطرف.. متعلق بالمعاني و ليس بالأواني.

و هو لهذا لا ينقسم و لا يتشتت و لا يضيع في التلفت، و انما هو مجذوب الفؤاد الى الله على الدوام.

و لكن أمثال هذا الرجل قليل نادر مثل الألماس و اليورانيوم و أمثاله لا يتجاوزون

أفرادا و آحادا بين ألوف الملايين من الحشد المغمى عليه

و هي غفلة عامة غالبة لا ينجي فيها علم و لا ثقافة و لا دكتوراه و لا ماجستير، فتلك أبواب غرور تزيد من الغفلة.. فنرى العالم يضع علمه في خدمة هواه، و عقله في خدمة عاطفته، و مواهبه في خدمة شهواته. فتصبح بلواه مضاعفة و صدمته قاصمة للظهر.

و يمضي العمر في سلسلة من الغفلات و الاغماءات مجموعها في الختام صفر، أو هي في الحقيقة حاصل طرح و ليست حاصل جمع. فمجموعها في النهاية بالسالب و ليس بالموجب فحياة صاحبها الى نقصان يوما بعد يوم و سنة بعد سنة.. يخرج من وهم الى وهم و من خدعة الى خدعة.. حاله مثل حال الشارب من ماء مالح، كلما ازداد شربا ازداد عطشا.. لا يحصل على سكينة و لا يبلغ اطمئنانا، و انما هو هابط دوما من قلق الى قلق، و من تمزق الى تمزق، و من تشتت الى تشتت، حتى تنتهي حياته بلا ثمرة، و ينتهي تحصيله بلا جدوى.

و تلك هي العقلية الاستمتاعية السائدة اليوم في عالم وثني، أصنامه اللذة و الغلبة و الهوى.. معبود كل واحد نفسه و كتابه رأيه و دستوره مصلحته.

و الحال في الأمم المتخلفة و النامية أسوأ مما هو في الأمم المتقدمة.. و هي أمم مجموعها أحيانا ((حاصل طرح أفرادها)) و ليس حاصل جمعهم، لأنهم منفرطون منقسمون متباعدون كالجزر التائهة في البحر.. يضرب بعضهم بعضا.. و عزمهم مستهلك.. و قوتهم لا شيء..

يتحدثون عن الوحدة.

و لا وحدة الا بالواحد.

هو وحده الواحد لا اله الا هو. الذي يخرج به كل واحد من شتات نفسه و تخرج به الأمم من تفرقها و يخرج به العالم من انقسامه.

و القضية بالدرجة الأولى قضية ايمان.

هي قضية رؤية..

كيف نرى العالم..؟

و كيف ننظر فيما حولنا..؟

و كيف نحب..؟

هل نستطيع أن نكون ذلك العارف الذي لا يرى في كل شيء الا الواحد.. و لا يبصر الا وجه ربه في كل محبوب.

هل يمكن أن نكون مصداق الآية:

(أينما تولوا فثم وجه الله).

و في هذا الاطار نحب و في هذا الاطار نكره.. فنبذل المروءة و المعروف و المودة للجميع و لا يكون لنا تعلق و لا يكون لنا حب الا الله و بالله و في الله.

ذلك هو الجهاد الصعب.

و لا اختيار..

و لا طريق آخر.

و كل واحد و عزمه.

و كل واحد و همته..

و عبرة كل حياة بختامها.. فلنسارع الى المجاهدة و لنشمر السواعد حتى لا يكون محصول حياتنا صفرا و حتى لا يمضي بنا كل يوم الى نقصان و حتى لا يصبح كل يوم من أيامنا مطروحا من الذي قبله.

انما خلق الله الغواية لامتحان القلوب و ليعرف الكبار أنفسهم و ليعرف الصغار أنفسهم من البداية


د / مصطفى محمود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق